\بعض الأخطاء الشائعة عند التوثيق من المكتبة الشاملةj
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا يختلف اثنان في الخدمات النَّافعة التي قدَّمتها المكتبة الشاملة للباحثين، حين قرَّبت البعيد ويسَّرَت العسير-خاصة في ميدان البحث والتفتيش عن النصوص في بطون الكتب-، إلا أنَّه قد تبيَّن بالتجربة أنَّ الاكتفاء بتوثيق النصوص من المكتبة الشاملة – الموافقة للمطبوع- من غير الرجوع إلى النص المطبوع غير كاف، ويوقع الباحث في أخطاء العلمية، كما أن القصَّ واللَّصق من الشاملة يوقع الباحث في أغلاط مشينة تتعلَّق بنسبة الأقوال إلى غير أصحابها، أذكر هنا خمسةً منها يكثر وقوع الباحثين فيها.
# التصحيف والتحريف في الكتب التي قيل فيها -موافق للمطبوع-
معلوم أنَّ الكتب في المكتبة الشاملة وإن قيل فيها (موافق للمطبوع)، هي من إدخال بعض الباحثين، وهم معرَّضون للخطأ في النقل، ولا ندري هل قوبلت النسخة على المطبوع أما لا؟ لذلك تجد كثيرا من (التصحيفات والتحريفات) في أسماء الرجال وعبارات المصنفين، فلا بد من الرجوع إلى المطبوع، وقديما قيل
الكتاب إذا نسخ ولم يقابل ثم نسخ ولم يقابل خرج أعجميا). نقله الخطيب البغدادي عن الأخفش.
* مثال ذلك ما ذكره بعض الباحثين من تصحيف مُغَيِّرٍ للمعنى في كتاب (كشف المخدرات) لعبد الرحمن الخلوتي (2/ 289): «أَو مُمَيّزا أَو مكْرها أَو قِنا أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى» وبالرجوع إلى المطبوع نجد كلمة (خنثى) تَحَرَّفَتْ من (جُنُبا)، والصحيح «أَو مُمَيّزا أَو مكْرها أَو قِنَا أَو أُنْثَى أَو جُنُبًّا».
وغيرُ هذا كثير في كتب الحديث ورجاله.
# الخطأ في نسبة كلام (المحقق) إلى (المؤلف) عند القص واللصق.
يخطئ بعض طلبة العلم حين يبحثون في كتاب معين عن مسألة بواسطة (خاصية البحث عن طريق الكلمة)، فيأخذ النتيجة مباشرة ويقوم بعملية نسخ ولصق وينسب الكلام لصاحب الكتاب، والواقع أن الكلام مأخوذ من مقدمة (تحقيق المحقِّق) أو (تعليقات المخرِّج) لأحاديث الكتاب فهو كلام لرجل متأخر وليس كلام المصنف.
* مثال ذلك: كتاب شرح علل الترمذي لابن رجب تحقيق (همام سعيد) فيه مقدمة مهمة في علم العلل وقواعده للمحقق، استغرقت مقدمته أكثر من (300 ص) من المجلد الأول، فيأتي باحث يريد البحث مثلا عن (عبد الله بن لهيعة) فتخرج له النتيجة الأولى في (1/ 109):
«وأما عبد الله بن لهيعة، قاضي مصر، فهو ممن أجمع العلماء على خفة ضبطه قبل موته بسنين، والأكثر على أن هذا راجع إلى احتراق كتبه»
فينسخها وينسبها للحافظ ابن رجب، والصحيح أنها من كلام المحقق همام سعيد في المقدمة، وليست من صلب كتاب الحافظ ابن رجب لكن المكتبة الشاملة توهم ذلك..
* وذكر الشيخ (أحمد معبد عبد الكريم) أنَّ أحد الباحثين ذكر أن (ابن أبي عاصم) صاحب كتاب السنَّة، قرر أن تدليس الوليد بن مسلم يرتفع بمتابعة غيره له، وهذا نصٌ نفيس لو ثبت عن عالم متقدم مثل ابن أبي عاصم(287هـ) .
فلما رجع إلى النصِّ فإذا به كلام الشيخ الألباني في كتاب (ظلال الجنة في تخريج أحاديث السنة) لابن أبي عاصم (1/ 261)، قال: «والوليد بن مسلم وإن كان يخشى من تدليسه تدليس التسوية فقد توبع كما يأتي فَأَمِنَّا بذلك تدليسه» .
والسبب في ذلك وجود تخريجات الشيخ الألباني في صلب الكتاب وليس في هامشه.
# الخطأ في نسبة الكلام إلى (المصنِّف) بسبب عدم مراعاة السياق الكلام.
يخطئ بعض طلبة العلم في النقل من كتاب في الشاملة، بسبب (القصِّ واللَّصق) وعدم تتبع سياق الكلام- خاصة في الكتب المطوَّلات- فينسب الكلام لصاحب الكتاب، وبالرجوع إلى النصِّ المطبوع نجد أنه كلام طويل نقله المصنف عن غيره، فوهم المعتمد على الشاملة الذي يظهر له موضع الشاهد فقط.
* مثال ذلك: نقل بعض المغرِّدين عبارة رائقة من كتاب (المعيار المعرب) للونشريسي (3/ 377)، وهي: «واحفظِ: الحديث تَقْوَ حجَّتُكَ، والآثار يصلُحُ رأيُكَ، والخلاف يَتَّسِعْ صدرُكَ، واعرف العربية والأصول، وشَفِّع المنقول بالمعقول، و المعقول بالمنقول».
فنسب هذه العبارة لصاحب الكتاب أبي العباس الونشريسي، والصحيح أنها لغيره، فالونشريسي معروف بكثرة نقل أقوال وفتاوى العلماء في كتابه (المعيار المعرب)، وبالرجوع إلى موضع الشاهد من الكتاب، تبيَّن أن هذه الكلمة الرائقة لأبي عبد الله المَقَرِّي التلمساني (758هـ).
فقد قال الونشريسي في الصفحة التي قبلها (3/ 376): «قلت: قال القاضي أبو عبد الله المقري -رحمه الله- في قواعده الفقهية...».
ثم في الصفحة التي بعدها (3/ 377) «وقال أيضا في بعض مقيداته ما نصه: .... وبالجملة إياك ومفهوم المخالفة في غير كلام صاحب الشرع...واحفظِ: الحديث تَقْوَ حجَّتُكَ، والآثار يصلُحُ رأيُكَ».
فتبين أن الكلام لأبي عبد الله المَقَرِّي وليس لأبي العباس الونشريسي.
# الخطأ في توثيق النقول من الكتب ذات الجزء الواحد
يعتمد بعض الباحثين في التوثيق من الشاملة على الأرقام الموجود في أسفل الصفحة، لكن هناك شيء قد لا يتفطَّن له الباحث، وهو أن الكتاب ذا (الجزء الواحد) قد يوثق في الشاملة بوضع رقم (واحد) في خانة الأجزاء، ثم رقم الصحفة في خانة الصفحات، وهذا يوهم أن للكتاب أكثر من جزء وليس هو كذلك.
* مثال ذلك كلام الإمام أحمد في كتاب المنتخب من علل الخلال لابن قدامة: «قال أبو عبد الله: ما أرى عمر بن عبد الله لقي عبد الله بن عمر» فقد يوثِّقه المعتمِد على الشاملة كما يجده أسفل الصفحة فيقول: انظر
1/ 241). مما يوحي أنَّ للكتاب أكثر من جزء، وهذا خطأ؛ لأن كتاب المنتخب من علل الخلال يقع في (جزءٍ واحد)، فالتوثيق الصحيح أن يقول: انظر: (ص 241). وليس ( 1/ 241).
وهذا يتكرر كثيرا في الكتب ذات الجزء الواحد فلينتبه الباحث.
# الخطأ في تسمية عنوان الكتاب اعتمادًا على بطاقات المكتبة الشاملة.
فيعتمد بعض الباحثين في إثبات عنوان الكتاب -عند النقل منه- على البطاقات المعرِّفة بالكتاب الموجودة في برنامج الشاملة، وفي بعضها خلل -كما لا يخفى على المجرِّب-، فأما أصحاب التخصُّص فلكثرة تعاملهم مع كتب الفن يدركون تلك الأخطاء وأما غير المتخصص تروج عنده تلك العناوين الخاطئة.
مثال ذلك ما نَبَّه عليه الشيخ (محمود النحَّال)، من خطأ البعض في تسمية كتاب ابن الكيَّال في المختلطين، فقد جاء في بطاقة الكتاب في الشاملة تسميته: (الكواكب النيرات في معرفة من الرواة الثقات) والصحيح أنَّ اسمه (الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات)، فالكتاب في المختلطين وليس في الثقات.